رغم أن فكرة السيارة الكهربائية أصبحت شائعة في أحاديث الناس حول العالم إلا أن الكثير من الأشخاص ما زالوا لا يعرفون سوى القليل عن تفاصيلها التقنية أو تاريخها الحقيقي، ومع ذلك فإن الإحصاءات الحديثة تكشف حجم التوسع المذهل في هذا المجال فقد ذكر موقع الجزيرة.نت في تقرير نشر عام 2024 أن عدد السيارات الكهربائية التي تسير على الطرقات بلغ نحو أربعين مليون سيارة خلال عام 2023 وحده، وأنه تم تسجيل حوالي أربعة عشر مليون سيارة جديدة في العام نفسه كما أوضح التقرير أن السيارات الكهربائية شكلت ما يقارب 18% من إجمالي المبيعات العالمية في عام 2023 مقارنة بـ 14% في عام 2022 و2% فقط في عام 2018 وهو ما يعكس نموا متسارعا ومستقرا في أسواق المركبات الكهربائية وفق ما أكدته وكالة الطاقة الدولية. aljazeera.net
فما هي السيارة الكهربائية ونشأتها وتأثيرها الاقتصادي والبيئي؟
تُعرف السيارة الكهربائية بأنها مركبة تعتمد على الكهرباء بدل الوقود لتوليد الطاقة الحركية إذ تعمل بفضل محركات كهربائية تُغذى ببطاريات قابلة للشحن يمكن تعبئتها من مصدر طاقة خارجي مثل محطة شحن أو مقبس منزلي عادي.
السيارة الكهربائية ليست جديدة كما يظن البعض حيث تعود أول محاولة لبناء سيارة تعمل بالكهرباء إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما صمم الكيميائي الأمريكي ويليام موريسون عام 1890 نموذجا بسيطا لعربة مزودة ببطارية كهربائية يمكنها السير لمسافة قصيرة وكانت تعتبر ثورة تكنولوجية في ذلك الوقت لأنها لم تُصدر أي دخان أو ضجيج أثناء الحركة. energy.gov
في أوروبا برزت تجربة المهندس الألماني أندرياس فلوكن سنة 1888 حين ابتكر ما يعرف اليوم بأول سيارة كهربائية إنتاجية حملت اسم فلوكن إلكتروفاغن وقد كانت تعمل بالكامل بالطاقة الكهربائية لكنها كانت محدودة السرعة والمدى إلا أنها مهدت الطريق لأبحاث لاحقة حول البطاريات والمحركات الكهربائية وبينت أن فكرة النقل النظيف قابلة للتطبيق تقنيا رغم ضعف الإمكانيات في ذلك العصر en.wikipedia.org
أما بالنسبة لأثار محركات السيارات الكهربائية فمن الناحية الاقتصادية أحدثت السيارات الكهربائية تحولا مهما لأنها تقلل بشكل واضح من تكاليف التشغيل اليومية فالمستخدم لا يحتاج إلى شراء الوقود بشكل متكرر كما هو الحال في السيارات التقليدية، كما أن المحركات الكهربائية تحتوي على عدد أقل من القطع المتحركة مما يعني صيانة أقل وأعطالا أقل إضافة إلى ذلك يمكن للدول المستوردة للوقود أن تخفف من أعباء الفاتورة الطاقوية فكلما زاد الاعتماد على هذا النوع من المركبات خاصة إذا تم توليد الكهرباء محليا من مصادر نظيفة أو متجددة نقصت واردات الطاقة التقليدية. afdc.energy.gov
أما بيئيا تعتبر السيارات الكهربائية من بين أبرز الحلول لتقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري فهي لا تصدر ثاني أكسيد الكربون مباشرة أثناء القيادة وهذا ينعكس إيجابا على جودة الهواء في المدن المزدحمة كما أنها تساهم في خفض مستويات التلوث الصوتي الذي تسببه محركات الوقود الأحفوري ومع ذلك تبقى الفائدة البيئية الحقيقية مرهونة بنظافة مصدر الكهرباء المستخدم في الشحن فإذا كانت الطاقة الكهربائية ناتجة عن محطات تعمل بالفحم أو النفط تقل فعالية هذه الفائدة بشكل كبير. epa.gov
لكن رغم كل هذه المزايا لا تخلو السيارات الكهربائية من سلبيات واضحة فعملية إنتاج بطارياتها تحتاج إلى كميات كبيرة من معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل وهذه المواد تستخرج غالبا في ظروف بيئية صعبة وتسبب أضرارا للتربة والمياه كما أن عمليات التعدين تستهلك طاقة مرتفعة مما يؤدي إلى انبعاثات غير مباشرة عند تصنيع المركبات لذلك فإن تقليل الأثر البيئي يتطلب تطوير طرق إعادة تدوير البطاريات واستخدام مصادر طاقة متجددة في التصنيع. earth.org
إضافة إلى ذلك ما تزال البنية التحتية الخاصة بمحطات الشحن محدودة في كثير من الدول مما يشكل عقبة أمام الانتشار الواسع لهذا النوع من المركبات خصوصا في المناطق الريفية أو البعيدة عن المدن الكبرى كما أن وقت الشحن الطويل مقارنة بملئ خزان الوقود يجعل التجربة أقل راحة بالنسبة للبعض رغم التحسن التدريجي في تقنيات الشحن السريع ومدى السير لكل شحنة واحدة الذي أصبح يتجاوز أحيانا 400 كلم في الطرازات الحديثة. betterplaneteducation.org
في الختام يمكن القول إن السيارة الكهربائية لم تعد فكرة مستقبلية بل أصبحت واقعا يتطور بسرعة مذهلة بفضل التقدم في تقنيات البطاريات والشحن وقدرتها على التوفيق بين متطلبات الاقتصاد وحماية البيئة ورغم التحديات التي ما تزال تواجهها والتي ذكرناها في هذه الورقة مثل ارتفاع كلفة الإنتاج وصعوبة توفير البنية التحتية للشحن فإن المستقبل يبدو واعدا لهذا القطاع الذي يرمز إلى تحول عالمي نحو طاقة أنظف ونقل أكثر استدامة، وما تشهده الأسواق اليوم ليس سوى بداية رحلة طويلة نحو عالم تتحرك فيه المركبات بصمت، وكفاءة تحترم الإنسان والبيئة في آن واحد.

قسم التحرير
فريق متخصص في عالم السيارات وكل ما يتعلق بها من أخبار محلية وعالمية
تعليقات
إرسال تعليق